بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 5 يناير 2025
الحمد لله الذي نصب الكائنات على وحدانيته حججا، وجعل لمن اتقاه من كل ضائقة مخرجا، وسبحان من أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين وحجة على العباد أجمعين، إفترض على العباد طاعته وتوقيره ومحبته، شرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، هدى به من الضلالة وعلم به من الجهالة، وكثر به بعد القلة وأعز به بعد الذلة وأغنى به بعد العيلة، وبصر به من العمي وأرشد به من الغي وفتح برسالته أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا أما بعد إن هناك أمور تعين على الصبر، حيث قال العلامة ابن القيم رحمه الله الصبر وإن كان شاقا كريها على النفوس فتحصيله ممكن.
وهو يتكون من مفردين، العلم والعمل فمنهما تركب جميع الأدوية التي تداوى بها القلوب والأبدان فلا بد من جزء علمي وجزء عملي فمنهما يركب هذا الدواء الذي هو أنفع الأدوية، وأما عن الجزء العلمي فهو إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغي أضاف إليهما العزيمة الصادقة والهمة العالية والنخوة والمروءة الإنسانية وضم هذا الجزء إلى هذا الجزء ومتى فعل ذلك حصل له الصبر وهانت عليه المشقة وحلت له مرارته، وقال العلامة السعدي رحمه الله لما كان الصبر يستمد من القيام بطاعة الله والإكثار من ذكره أمره الله بذلك فقال " واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا " أي أول النهار وآخره فدخل في ذلك الصلوات المكتوبة وما يتبعها من النوافل والذكر والتسبيح والهليل والتكبير في هذه الأوقات.
وكما أن مما يعين على الصبر إن العبد إذا علم أن عمله غير ضائع بل سيجده كاملا هان عليه ما يلقاه من المكاره وتيسر عليه كل عسير وإستقل من عمله كل كثير، وقوله تعالى " وإصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين " وفي هذا ترغيب عظيم للزوم الصبر بتشويق النفس الضعيفة إلى ثواب الله تعالي كلما ونت وفترت، وقال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله قال تعالى " فاصبر علي ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب " ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أمره تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يقوله الكفار والتسبيح بحمده جلا وعلا أطراف النهار، قد ذكره الله في غير هذا الموضع، كقوله تعالى " فاصبر علي ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضي "
وأمره له بالتسبيح بعد أمره له بالصبر على أذى الكفار فيه دليل على أن التسبيح يعينه الله به على الصبر المأمور به، والصلاة داخلة في التسبيح، وإنه ينبغي إلزام النفس الصبر على طاعة الله وعن معصيته، فقال العلامة السعدي رحمه الله احبس نفسك على طاعة الله وعن معصيته وإلزامها بذلك وإستمر ولا تضجر، وإن أفضل الصبر هو الصبر على الأوامر والنواهي، حيث قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالي الصبر المتعلق بالتكليف وهو الأمر والنهي أفضل من الصبر على مجرد القدر فإن هذا الصبر يأتي به البرّ والفاجر والمؤمن والكافر، فلا بد لكل واحد من الصبر على القدر اختيارا أو اضطرارا، وأما الصبر على الأوامر والنواهي فصبر اتباع الرسل.