بقلم : يوحنا عزمي
علي تخوم مدينة رفح تتدافع إرادتان .. الإرادة المصرية من جهة
والوحشية الإسرائيلية من جهة أخري .. بحسب التقارير المتواترة
فإن العسكرية المصرية تكشر عن انيابها منذ بدء العدوان علي غزة
تم رفع درجة الاستعداد ، واجراء مشاريع تدريبية وتفاتيش حرب
مستمرة ، وحملت إحدي المناورات إسم "جالوت " العدو التاريخي
ل"طالوت " البطل القومي العبري وفق الروايات التاريخية اليهودية.
في الأيام الأخيرة حذرت مصر من اجتياح بري إسرائيلي لرفح وهددت باعتبار معاهدة السلام كأن لم تكن وبسحب السفير المصري من إسرائيل علي عكس موقف العسكرية المصرية المترجم لرؤية الدولة ورئيسها. تراجعت العسكرية الإسرائيلية خطوات للخلف .
أفادت تقارير صحفية ان الجيش الإسرائيلي حذر "نتنياهو" من اجتياح
رفح لأن ذلك يقود لمواجهة - غير مرغوبة - مع الجيش المصري ..التحليلات العسكرية الإسرائيلية للموقف تكاد كلها تكون تكراراً لبعضها البعض .. كلها تحذر من قوة الجيش المصري بشكل عام ومن الموقف في سيناء بشكل خاص ، تتحدث كلها عن سيناء فتقول انها شهدت تحولاً جذرياً خلال آخر عشر سنوات ولم تعد بأي حال منزوعة السلاح.
يتحدث الإسرائيليون عن الطرق والانفاق التي ربطت سيناء بالوادي وجعلت تدفق مئات الآلاف من الجنود للحدود امرا لا يستغرق سوي ساعات قليلة. يتحدثون ايضاً عن مطارات حديثة في سيناء وعن طائرات ترابط علي
بعد دقائق من إسرائيل ..علي عكس ما يبدو في الظاهر فقد اخذ نتنياهو تحذيرات مصر وتحذيرات جيشه من الصدام مع مصر في الإعتبار ..
لم يتم اجتياح بري لرفح ، ولكن غارات ضد أهداف محددة
تدعي إسرائيل انها تابعة لحماس ، او انها نقاط تركز للرهائن
الذين تم اختطافهم يوم سبعة أكتوبر .. مهما بلغت درجة الغضب
من وحشية إسرائيل فإن تحرير الرهائن سيبدو مطلبا عادلاً أمام العالم
وكأنه "قميص عثمان " ترفعه إسرائيل او حق يراد به باطل
او يتخذ ذريعة للباطل .
من جهة ثانية تراقب مصر نفاذ مخزون التفاهم بين إدارة جو بايدن وبين بنيامين نتنياهو .. بايدن الذي حرك حاملات الطائرات بعد ٧ اكتوبر وأعلن أنه صهيوني مخلص يمارس السباب العلني ضد نتنياهو في الإجتماعات الرسمية ، وقال في تصريح له أول أمس ان فرص التفاهم بينه وبين رئيس وزراء إسرائيل باتت منعدمة.
من نافلة القول ان أي تحرك مصري خشن ضد إسرائيل سيعيد رأي الصدع بين الحليفين وهو ما لا يريده أي كاره لسياسات إسرائيل الوحشية بكل تأكيد .
يمكن القول ان مصر تمارس الصبر الإستراتيجي ، وان إسرائيل بعد الغارات علي رفح قد وصلت لآخر المدي في العمل العسكري وانها ليس أمامها سوي العثور علي الرهائن او قتل من تبقي منهم بنيران الغارات ثم يسدل الستار علي المشهد بكامله .
في الأعمال التراجيدية الكبرى يسعي الأبطال لمصيرهم دون ان يستطيعون تغييره ، لا تمنعهم شجاعتهم من الموت او الهزيمة لأن ذلك ما رسمه لهم القدر .. ترتبط بطولاتهم بالموت ولو فروا من مصائرهم لكانوا ابطالاً عاديين .
الصراع في غزة هو صراع تراجيدي بكل المعايير وسيخرج الجميع منه مهزومون ..سيواجه قادة حماس مصيرهم الذي رسمه لهم القدر وهو ان يظلوا مطلوبين للموت طوال العمر وبالتالي سيظلوا هاربين طوال العمر.
من الصعب جدا ان يستمر نتنياهو حاكماً لإسرائيل وثيابه ملطخة بدماء ثلاثين الف مدني فلسطيني معظمهم ليس له علاقة بتنظيم حماس ولا شارك في خطف الرهائن الإسرائيليين .
من نافلة القول ان قطاع غزة لم يعد هو القطاع الذي كنا نعرفه قبل ٧ أكتوبر لا من ناحية الحجر ولا من ناحية البشر ولا حتي الهواء الشاهد علي انات وجراح عشرات الآلاف من أبناء القطاع ، كل ما يحدث مخاض عنيف ومؤلم لوضع جديد علينا ان نتماسك ونتجمل بالصبر حتي نحرج منه سالمين .