بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وإمتنانه وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه وبعد يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في حال القبور إذا مررت بهم فنادهم أن كنت مناديا، وادعهم إن كنت داعيا، ومر بعسكرهم وانظر إلى تقارب منازلهم، وسل غنيهم ما بقي من غناه؟ وسل فقيرهم مابقي من فقره؟ واسألهم عن الألسنة التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنع بها الديدان تحت الأكفان، أكلت اللحيان وعُفرت الوجوه، ومُحت المحاسن وكسّرت الفقرات، وبانت الأعضاء.
ومُزقت الأشلاء، فأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم وجمعهم وكنوزهم؟ وكأنهم ماوطئوا فراشا، ولاوضعوا هنا متكأ، ولاغرسوا شجرا، ولا أنزلوهم من اللحد قرارا، اليسوا في منازل الخلوات؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة، فكم من ناعم وناعمة أضحوا وجوههم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دما وصديدا، ودبت دواب الأرض في أجسادهم، ففرقت أعضاءهم، ثم لم يلبثوا إلا يسيرا حتى عادت العظام رميما، فقد فارقوا والله الحدائق وصاروا بعد السعة إلى المضائق، وقد تزوجت نساؤهم، وتردت في الطرق أبناؤهم، وتوزعت القرابات ديارهم وقراهم فمنهم والله الموسع له في قبره الغض الناظر فيه المتنعم بلذته.
فيا ساكن القبر غدا ما لذي غرك من الدنيا؟ وأين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك الينعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ واين طيب بخورك؟ وأين كسوتك لصيفك ولشتاءك؟ أما رأيته قد زل به الأمر، فما يدفع عن نفسه دخلا وهو يرشح عرقا، ويتلمظ عطشا، يتقلب في سكرات الموت وغمراته، جاء الأمر من السماء، وجاء غالب القدر والقضاء، هيهات يامغمض الوالد والأخ والولد وغاسله يا مكفن الميت ومدخله لقبره وراجعا عنه، ليت شعري بأي خديك بدأ البلى يامجاور الهلكات صرت في محلة الموت، ليت شعري مالذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا وما يأتيني به من رسل ربي، وإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن هناك عذابا في القبر بحسب حال الميت من عمله وحاله.
وينبغي أن يُعلم أن من إستحق عذاب القبر من أهل الإيمان قد لا يعذب، فهو تحت مشيئة الله عز وجل، وقد يندفع العذاب لموانع تدفع ذلك، ومن هذه الموانع التوبة المقبولة، أو الحسنات الماحية، أو المصائب المكفرة، أو شفاعة شفيع مطاع، أو أن يتجاوز الله تعالي عنه بفضله ورحمته ومغفرته، حيث قال ابن تيمية رحمه الله "وأحاديث الوعيد يذكر فيها السبب وقد يتخلف موجبه لموانع تدفع ذلك، إما بتوبة مقبولة، وإما بحسنات ماحية، وإما بمصائب مكفرة، وإما بشفاعة شفيع مطاع، وإما بفضل الله ورحمته ومغفرته فإنه سبحانه وتعالي " لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ".