محمود سعيدبرغش
شهر رمضان منحة إلهية، وفرصة ذهبية لمن أراد أن يقترب من الله ويصلح حاله، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران. لكن الناس يختلفون في استعدادهم له، فمنهم من يستعد بمشاهدة المسلسلات والبرامج الترفيهية، ومنهم من ينشغل بالعزائم والسهرات، بينما آخرون يتفرغون فيه للعبادة وقراءة القرآن. فكيف يجب أن يكون الاستعداد الأمثل لهذا الشهر الكريم؟
1. رمضان شهر العبادة لا العادات
إن أول ما يجب على المسلم أن يدركه هو أن رمضان ليس مجرد شهر للطعام والمسلسلات والتسلية، بل هو شهر العبادة والطاعة. قال الله تعالى:
"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (البقرة: 185).
فرمضان هو الشهر الذي نزل فيه القرآن ليكون نورًا وهداية، فجدير بنا أن نُكثر من قراءته وتدبره.
وكان النبي ﷺ يجتهد في العبادة في رمضان أكثر من أي شهر آخر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت:
"كان النبي ﷺ إذا دخل العشر الأواخر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" (متفق عليه).
فهذا يدل على أهمية الاجتهاد في العبادة، لا في الترفيه والانشغال بما لا ينفع.
2. العروض الربانية في رمضان
رمضان ليس كأي شهر، بل هو شهر تضاعف فيه الحسنات وتفتح فيه أبواب الجنة. قال النبي ﷺ:
"إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلّقت أبواب النار، وصُفّدت الشياطين" (متفق عليه).
وهذا يعني أن الأجواء في رمضان مهيأة للطاعة والقرب من الله، فلماذا نضيعها في اللهو؟
بل إن الله جعل للصائمين منزلة عظيمة، فقال ﷺ:
"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
فلماذا لا نستعد لنكون من الفائزين بالمغفرة، بدلًا من إضاعة الشهر في المسلسلات والسهرات؟
3. كيف يكون الاستعداد الأمثل لرمضان؟
إذا أردت أن تكون من الفائزين في رمضان، فعليك أن تستعد له كما كان يفعل النبي ﷺ والصحابة رضي الله عنهم. وإليك بعض الخطوات:
1. الإكثار من تلاوة القرآن: فهو شهر القرآن، وكان السلف يختمونه مرات عديدة.
2. القيام والصلاة: فلا تفوت صلاة التراويح، وحاول أن تقوم الليل خاصة في العشر الأواخر.
3. التوبة والاستغفار: رمضان فرصة للتخلص من الذنوب، فلا تضيعها.
4. الإكثار من الصدقات: قال النبي ﷺ: "أفضل الصدقة صدقة في رمضان" (الترمذي).
5. البعد عن الملهيات: مثل المسلسلات والبرامج التي تسرق الوقت بلا فائدة.
6. إعداد جدول للطاعات: حدد وقتًا يوميًا للقرآن، والصلاة، والذكر، والعمل الصالح.
4. لمن يستعدون لغير العبادة
هناك من يعتبر رمضان موسمًا للمسلسلات والبرامج، وآخرون ينشغلون بالعزائم والسهرات والمباريات، وهؤلاء قد يفوتهم الأجر العظيم. لذا علينا أن نذكرهم بأن رمضان فرصة قد لا تتكرر، وعلينا أن نستغله في ما يرضي الله.
قال الحسن البصري رحمه الله: "إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك".
فاحرص أن لا يذهب رمضان دون أن تخرج منه برصيد من الحسنات، فقد يكون رمضانك الأخير.
خلاصة
رمضان ليس شهر العادات، بل شهر العبادات. وهو فرصة لا تُعوّض للرجوع إلى الله، فليكن استعدادنا له بإصلاح نيتنا، والحرص على الأعمال الصالحة، ومجاهدة النفس لاغتنام فضله. وأسأل الله أن يجعلنا من المقبولين الفائزين، وأن يبلغنا رمضان ويعيننا على صيامه وقيامه.
اللهم بلغنا رمضان وبارك لنا فيه، ووفقنا لما تحب وترضى.