بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله الذي زين قلوب أوليائه بأنوار الوفاق، وسقى أسرار أحبائه شرابا لذيذ المذاق، وألزم قلوب الخائفين الوجل والإشفاق، فلا يعلم الإنسان في أي الدواوين كتب ولا في أي الفريقين يساق، فإن سامح فبفضله، وإن عاقب فبعدله، ولا اعتراض على الملك الخلاق، اعلم أنه إذا نظرت للحياة بروح مبتسمة حتما ستجدها مثيرة للاهتمام، وتصبح الحياة ذات معنى حينما نجد شيئا نكافح من أجله ونسعى بشغف للوصول إليه، فلا تمضوا في طريق اليأس، ففي الكون آمال، ولا تتجهوا نحو الظلمات، ففي الكون شموس، ولا تجادل بليغا ولا سفيها، فالبليغ يغلبك، والسفيه يؤذيك، أما بعد انظروا عباد الله إلى تجارة صهيب الرومي فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال أقبل صهيب رضي الله عنه مهاجرا، إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فاتبعه نفر من قريش، ونزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته، ثم قال يا معشر قريش، قد علمتم أني من أرماكم رجلا وايم الله لا تصلون حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقينتي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا نعم، ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، قال ربح البيع أبا يحيى، ربِح البيع أبا يحيى، قال ونزلت ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد" ولكن من هو صهيب؟ فقد قال أبو عمر بن عبد البر، كان أبو صهيب، أو عمه عاملا لكسرى على الأبلة، وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم، فسبت صهيبا وهو غلام، فنشأ بالروم ثم اشترته قبيلة كلب، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان، فأعتقه.
ورمى صهيب بالدنيا خلفه بمكة فاحتضنته المدينة بنورها وخيرها وبركتها، وهذا والله البيع الرابح وهذه التجارة مع الله لا خسارة والله يضاعف لمن يشاء، وإن صهيب بتضحيته وبذله وخدمته لدينه، وصبره على العذاب في سبيله كان من أكرم الصحابة وخير من الآف العرب التي أعرضت عن الهدى والحق، وقد وُزن عمله وربح بيعه وشُكر بذله لأنه تقي بار، ولم ينظر أحد إلى ماضي صهيب إنما نظروا إلى حاضره وقيامه بأمر الله فكان سيدا في الجيل المبارك الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يقيسون الرجال، فكم وكم من أناس لا نراهم في أعيننا بشيء، وليس لهم في أنفسنا حظ ولا في مجالسنا نصيب قد جعل الله لهم الفردوس الأعلى حظا ونصيبا، فإن المظهر والشكل والرفاهية، وحسن الملبس والمركب إنها مقاييس أهل الدنيا، أما ميزان أهل الدينا من أولياء الله هو قوله تعالي" إن أكرمكم عند الله أتقاكم"
فهم أهل عدل وإنصاف، فإن الكلمة في مدح فلان أو ذمة يكون لها مقام بين يدي الواحد القهار، فلا بد من إعداد العدة لسؤال قد لا نجد له جواب إلا النار، ولا نحتقر رجلا لا يحبه أهل الدنيا وأهل الفجر والفسوق والعصيان بسبب لباس أو فقر أو عدم وجاهه، فقد يكون مثل هؤلاء ممن وصلوا إلى كرامة الله بأن يصدقهم بما أرادوا، فهذا البراء لما كان يوم تستر من بلاد فارس انكشف الناس فقال المسلمون يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم والحقتني بنبيك فحمل وحمل الناس معه فانهزم الفرس وقتل البراء، فلا نجعل لنفوسنا حظا من الشر بما تحمله من نوايا لا تليق بمسلم يريد ما عند الله والدار الآخرة، وأعلم أن الدنيا وإن أعطتك ظهرها.
فإن لنا يوما نقف فيه بين يدي الله لا نملك من الدنيا شيئا وإنما مؤمن تقي أو فاجر شقي، فلنتقي الله ونرحم أنفسنا مما نجد من احتقار وازدراء للناس فوالله إنه لمرض قلبي لا ينجو من ويلاته إلا من أتى الله بقلب سليم.