بقلم: القيادي العمالي المستقل محمد عبدالمجيد هندي
مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال
والفلاحين تحت التأسيس
تُعتبر حقوق العمال من القضايا الأساسية التي يجب أن تتناولها أي تشريعات عمالية جديدة، ولا يمكننا تحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي دون ضمان تلك الحقوق. يأتي قانون العمل الجديد في مقدمة تلك القوانين التي تحتاج إلى مراجعة شاملة تضمن حماية حقوق العمال وتعزيز مكانتهم في سوق العمل.
تسعى أي دولة إلى تحقيق التنمية المستدامة، ولتحقيق ذلك يجب أن يكون هناك توازن بين مصالح أصحاب العمل وحقوق العمال. إن وجود قانون عمل قوي وشامل يمثل ركيزة أساسية لتحقيق هذا التوازن. يجب أن يتمتع العمال بحقوق واضحة ومحددة، وهذا يتطلب نصوصًا قانونية تعكس تلك الحقوق بشكل صريح، مما يضمن عدم تعرضهم للتمييز أو الاستغلال.
يجب أن يُعزز القانون الجديد من حقوق العمال دون تهاون، وأن يضمن لهم جميع الحقوق الأساسية، مثل الأجر العادل، وظروف العمل الآمنة، والحق في الإجازات المرضية والسنوية. هذه الحقوق ليست مجرد ترف بل هي أساسية لضمان رفاهية العمال واستقرار حياتهم، مما ينعكس إيجابًا على الإنتاجية وأداء المؤسسات. فالعمال الذين يشعرون بالأمان والدعم في أماكن عملهم هم أكثر إنتاجية وإبداعًا، مما يعود بالنفع على الاقتصاد ككل.
من القضايا الهامة أيضًا هو تحديد إجراءات فصل العامل. يجب أن ينص القانون بشكل واضح على أن فصل العامل من قبل صاحب العمل لا يمكن أن يكون من تلقاء نفسه، بل يتطلب الأمر اتباع إجراءات قانونية واضحة تضمن حقوق العامل وتتيح له الدفاع عن نفسه. إن توفير حماية قانونية ضد الفصل التعسفي يعزز من استقرار العمال، ويشجعهم على الإبداع والمساهمة بفاعلية في تطوير مؤسساتهم.
علاوة على ذلك، يجب أن تتضمن اللوائح نصوصًا تنص على التعويض العادل للعمال في حالة الفصل غير المشروع، مما يضمن عدم تعرضهم للظلم. من الضروري أن تُحدد الأسباب التي يمكن من خلالها إنهاء الخدمة، بما يضمن عدم التعسف أو التمييز في هذه القرارات.
يتعين أيضًا أن يتضمن القانون الجديد عقد عمل نموذجياً غير محدد المدة. يُعتبر هذا العقد الضمان الأساسي لاستقرار العمال في وظائفهم، ويعكس ثقة أصحاب العمل في قدرات العمال. إن وجود عقود عمل محددة المدة يمكن أن يخلق حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار للعمال، مما يؤثر سلبًا على الأداء والإنتاجية.
فمن المهم أن نضمن أن يتمتع العمال بحقوقهم من اليوم الأول لدخولهم سوق العمل. وهذا يتطلب وضع آليات واضحة تضمن حقوقهم دون أي تمييز. إن وجود عقد عمل غير محدد المدة يمنح العمال شعورًا بالأمان، مما يساعدهم على التركيز على مهامهم وتحقيق الأهداف المؤسسية.
علاوة على ذلك، من الضروري أن يُنص على تثبيت العمال من أول يوم عمل لهم. يجب أن يحصل العمال على حقوقهم كاملة منذ بداية عملهم، وتُعتبر هذه الخطوة ضرورية لتوفير الأمان الوظيفي وتعزيز ولاء العمال لمؤسساتهم. فالتثبيت الفوري يعكس التزام صاحب العمل تجاه موظفيه، ويساعد في بناء بيئة عمل إيجابية، كما أن ذلك يعزز من الروح المعنوية للعمال ويشجعهم على تقديم أفضل ما لديهم.
إن قانون العمل الجديد يجب أن يكون عونًا للعمال وليس عائقًا لهم. لتحقيق ذلك، نحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وتعاونًا بين كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك النقابات العمالية، وأصحاب العمل، والحكومة. كما يجب أن تتبنى الدولة نهجًا تشاركيًا يشمل جميع الفئات، لضمان أن تكون جميع الأصوات مسموعة وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار احتياجات جميع الأطراف.
تتطلب هذه العملية أن تعمل الجهات المسؤولة بالدولة على تنظيم ورش عمل ومؤتمرات، تجمع بين ممثلي العمال وأصحاب العمل والجهات الحكومية، لتبادل الآراء والأفكار حول تطوير قانون العمل. فهذه العملية التشاركية لن تعزز فقط من فعالية القانون، بل ستساعد أيضًا في بناء الثقة بين جميع الأطراف، مما يساهم في تحسين العلاقات العمالية.
يجب أن تستند هذه اللقاءات إلى دراسات معمقة تتناول التجارب الدولية في مجال قانون العمل، مع الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الثقافية والاقتصادية للبلد. إن الاطلاع على التجارب الناجحة للدول الأخرى يمكن أن يوفر دروسًا قيمة في كيفية وضع قانون عمل فعّال يحمي حقوق العمال ويعزز من الإنتاجية في نفس الوقت.
علاوة على ذلك، ينبغي أن تشمل المناقشات مواضيع حساسة مثل حقوق المرأة في العمل، وحقوق العمالة غير المنتظمة، وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة. يجب أن يكون القانون شاملًا ومرنًا بما يكفي للتعامل مع التغيرات السريعة في سوق العمل، مثل العمالة المؤقتة، والعمل عن بعد، والوظائف في الاقتصاد الرقمي.
إن تعزيز حقوق العمال وضمان ظروف عمل كريمة هو الطريق نحو تحقيق تنمية مستدامة ومجتمع أكثر عدلاً. لذا، أدعو الجهات المسؤولة في الدولة إلى تحمل مسؤولياتها في وضع إطار قانوني يحقق التوازن بين حقوق العمال وواجبات أصحاب العمل، ويعزز من استقرار سوق العمل.
يجب أن يكون هناك التزام واضح من الحكومة بتنفيذ قانون العمل الجديد بشكل فعّال، ومراقبة تطبيقه في جميع المؤسسات. كما يجب أن تُعزز برامج التوعية والتثقيف حول حقوق العمال بين جميع الفئات، حتى يتمكن العمال من معرفة حقوقهم وواجباتهم.
في النهاية، يمكننا أن نبني مجتمعًا أكثر عدلاً وتقدمًا إذا عملنا جميعًا معًا على تعزيز حقوق العمال وحمايتها، وتوفير بيئة عمل ملائمة تضمن لهم الكرامة والاستقرار.
بقلم : القيادى العمالي المستقل محمد عبدالمجيد هندي مؤسس ورئيس المجلس القومى للعمال والفلاحين تحت التأسيس