مابين الود والنسيان لحظات مؤلمة من الحرمان جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

مابين الود والنسيان لحظات مؤلمة من الحرمان جريدة الراصد 24


بقلمي جمال القاضي



يعاني الجميع من مشكلات نفسية التي جاءت لتؤرق حياته وتقضي على مابقى فيها من سعاده، ليكون المال واحدا من أسبابها لكن كيف ذلك ؟


يسعى الجميع في هذه الحياة على ان يعمل جاهداً من اجل لقمة العيش والحصول على مايكفيه من المال، بل وكل أمنياته أن يصبح ثرياً، كما يحاول دائما من خلال مقارنة لما بين حاله وحال غيره أن يكون حاله وحالته المادية هي الأفضل دائما، فيعمل ليلاً ونهاراً، متنقلا بين هذا العمل وغيره، لايبالي كم من الوقت يبقى ليقضيه مع اسرته، أو كم بقى منه ليستريح جسده .


هذا التنقل وهذا الإستنفاز للوقت يجعله في نسيان معظم الوقت، فينسى أن له زوجة تنتظره كل مساء ليجلس معها، تحكي له عن همومها ويسمع شكواها مما قد يوجعها، تنتظره ليخفف عنها ماهي فيه من معاناة ومشكلات لأولادها، حتى  ولو كان هذا التخفيف بمجرد كلمة، لكن لكثرة تعبه في العمل يغلق أذنيه عن السماع لها، أو الالتفات للنظر إليها وماتقول،  تاركاً اياها بين معاناة لاتجعلها تنام أحيانا لشعورها الداخلي بالتهميش لدورها في حياته وعدم الشعور بأهميتها عند زوجها وشعورها بالحرمان العاطفي والذي قد يؤدي بها إلى أن تبحث عنه ربما تجده في غيره .


وهذا الإستنزاف للوقت ونسيان الزوج لأولاده كان من أخطر العوامل التي قد تفسد صلاحهم وصلاح حالهم، فهو يعمل لكثير من الوقت، يظل في هذا العمل نهاراً ثم يذهب لغيره ليلاً، يذهب نهاراً وهم نائمون، ثم يعود إليهم وقد راح كل منهم إلى مضجعه في نوم عميق، ليستيقظوا جميعاً صباحاً ذاهبين لمدارسهم أو لجامعتهم، ملتفتين وناظرين يميناً وشمالاً على أمل أن يكون هذا الأب معهم  هذا اليوم فلم يجدوا إلا فرش قد خلت من تواجده عليها وقد خابت معا أمنياتهم .


وهذا الحال الذي تم ذكره مع الزوجة والزوج فإنه ينطبق على باقي أفراد الأسرة من الأخوة ايضا، فهذه الأسرة التي قد مات عنها الأب والأم ولم يبقى غير أخوة ذكور واناث، يذهب الشقيق ليجعل شقيقته في راحة مادية لاتشعر معها بفقدان والديها، ونسى الأخ الود ليكون شعور الشقيقة بالحرمان .


ربما قد يظن البعض أن الحياة هي مجرد المال الكثير، وأن بكثرة هذا المال تتواجد السعادة، ونسى الزوج ونسى الأب ونسى الأخ أن هذا المال رغم أنه قد يكون سبباً في السعادة قد يكون أيضا سببا في الشقاء، ولكن لماذا يصبح المال في كثير من الأحيان سببا في الشقاء؟ 


ولكي نجيب على هذا السؤال أولا، دعونا في زيارة لبعض بيوت الأغنياء فجأة أو نرى مايدور فيها  ماكثين هناك على مقربة منها،  ثم نرى حقيقة هذا المال ودوره في شقاء أو سعادة الآخرين، ثم نشاهد ونسأل . 


ألم نسمع يوماً فيما مضى عن قتل شاب لأبيه رجل الأعمال ووالدته استاذة الجامعة ؟ رغم أن هذا الابن كان هو الابن الوحيد لديهم ويتمتع بالغنى مايسعده على حسب مانظن عن كثرة المال ؟ لكن لماذا ذهب لهذا الفعل ببشاعته وغرابته ؟ الم نرى الإدمان الذي عليه جميع الأفراد في أسرة من أسر الأغنياء ؟ ألم نرى فساد انثى بداخله من سهرات وخمور وانحلال ؟ ألم نذهب للمحاكم ونرى كما هائلا من القضايا التي أقامتها الزوجة الغنية على هذا الزوج الغني وكلها من أجل الإنفصال ؟ ألم نسمع عن انتحار رجل الأعمال أو انتحار أحد ابنائه ؟ 

لكن كانت هذه أمثلة لاتعمم بالطبع على كل الأغنياء .


فلو كان المال وحده سببا للسعادة لما رأينا كل هذا الكم من المشكلات التي ذكرناها ولم يكن جواب الأغنياء رغم أنني أمتلك كل هذا المال إلا أنني أشعر بشيء ما بداخلي ينقصني ولاأعرف ماهو أو ماذا يكون، ولم نرى فقيرا يوما ضاحكاً أو سعيدا رغم فقره وسوء حاله من هذا الفقر، لكننا جعلنا هذا المال غرضاً نقاتل من أجل الحصول عليه بكل طريقة كانت وليس وسيلة نمضي بها في الحياة، جعلناه أول أولوياتنا في هذه الحياة ومادونه لايلتفت إليه لأننا ظننا أننا بمجرد أن نلقي بهذا المال في وجه من نعول، حتما كل هذه المشكلات من أمامهم ستزول .


لم ترغب الزوجة منك سوى قليل من المال مع كثير من الإهتمام، لم يرغب الأولاد منك المال وحده، لكن كان رغبتهم العظمى هي الشعور بالألفة والمحبة والأمان في أن يجتمعوا جميعا على مائدة تجمعهم في نهاية يوم طويل كان شاقا من عمل أو تعليم، يجلسون ملتفين حول هذه المائدة وبينهم يجلس الأب وتجلس الأم، يسأل كل واحد منهم عن ماذا كان بيومه، وعن مشكلاته محاولا حلها حتى لو استدعى الأمر الذهاب معهم إلى مكان المشكلة ليزيل أسبابها ويقتلع جذورها، مجتمعين لتسأل الأم ابنتها عن مايخصها ولو كانت تعاني من أي شكوى ترهق تفكيرها تحاول معها ومع ابيها في البحث عن حلول لها ومن هنا تشعر بالألفة والأمان .


هذا الجمع والتجمع هو مساحة كبيرة في نظر الأسرة وأفرادها يشعر فيها الجميع بالود والألفة التي تذيب الحرمان وتقتل بداخلهم الشعور به، ونسينا أن مع التباعد والنسيان الكثير من الحرمان وان مع القرب تعيش الأسرة في جو تتمتع فيه بالصحة والسلامة النفسية والتي تختفي معها كل مانراها من مظاهر السلوكيات الغريبة من العنف المجتمعي والإدمان والقتل والسطو والسرقة وغيرها ايضا من الأمراض النفسيه التي يصاب بها الإنسان وكان سببها الرئيسي هو الحرمان، وحتما سنرى أن مابين الود والنسيان لحظات يكون فيها الشعور مؤلماً بالحرمان .

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020