بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيما، وثناء المتصف بصفات الكمال عزة وكبرياء، المستحق للحمد والثناء، يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء، نحمده سبحانه وأشكره ونتوب إليه وأستغفره، أفاض علينا من جزيل آلائه أمنا وإيمانا، وأسبغ علينا من كريم ألطافه منا وإحسانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عز ربا رحيما رحمانا وجل إلها كريما منانا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبد الله ورسوله بعثه للعالمين رحمة وأمانا وأنار به الطريق سنة وقرآنا وهدى وفرقانا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم أما بعد لقد قامت دول من عثرتها على أعمدة العلم والتخطيط له ورصد الميزانيات الكبيرة لنهضة التعليم فكان لها الشأن الأكبر بين دول العالم، بينما هناك دول كاملة ولديها وفرة متكاثرة في المال.
ولكنها فقدت بريقها العالمي بسبب الإهمال للتعليم والإنجراف نحو مجالات أخرى، ومنذ نهاية عصر الخلافة الأموية حتى بداية العهد السعودي مرت المدينة المنورة بعصور مختلفة بداية من الخلافة العباسية مرورا بالخلافة الفاطمية ثم الدولة الأيوبية ثم السلطنة المملوكية ثم الدولة العثمانية وصولا إلى العصر السعودي الحديث، ومن أبرز ما حدث خلال تلك العهود هو قيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتوسيع المسجد النبوي خلال عهده، حتى أضحى قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم جزءا لا يتجزأ منه، كما أصيب مسجد قباء بصاعقة أدّت إلى تدميره، ولم يُعاد بناءه إلا سنة ثمانى مائة واثنين وتسعين للميلاد، واستمر قائما على ما هو عليه، حتى سنة الف ومائتان وسبعة وخمسون للميلاد،عندما تدمر مجددا بفعل حريق كبير، فأعيد بناءه على الفور.
ثم السلطان قايتباي المملوكي بتجديد بناه سنة الف وربعمائة وسبعه وثمانون للميلاد، وقد شهدت المدينة المنورة في بداية القرن العشرين، وخلال الحرب العالمية الأولى، أطول حصار في تاريخها فقد كانت المدينة حتى ذلك الحين تتبع الدولة العثمانية، ويقيم فيها حاكم عثماني، وكان في تلك الفترة المدعو فخري باشا وعندما أعلن الشريف حسين بن علي، شريف مكة، الثورة على الحكم العثماني باسم العرب، سار بقواته وضرب حصارا على المدينة المنورة تمهيدا لطرد العثمانيين منها، وقد تمكن فخري باشا من صد قوات الشريف حسين، من سنة الف وتسعمائة وستة عشر من الميلاد حتى سنة الف وتسعمائة وتسعة عشر من الميلاد، ولكنه اضطر للاستسلام في نهاية المطاف في العاشر من يناير من نفس العام، فدخلت قوات الشريف حسين المدينة.
حيث بويع الأخير ملكا على الحجاز وبلاد العرب، غير أن القوى العظمى وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا لم تعترف به ملكا على كل الدول العربية المستقلة حديثا، بل كملك على الحجاز فقط، وتقاسمت ما تبقى من تركة الدولة العثمانية فيما بينها، وقد دخلت المدينة المنورة في ظل الدولة السعودية في اليوم التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام الف وثلاثة مائة وأربعه وأربعون للهجرة، وذلك عندما سلمها القادة الهاشميون بناء على اتفاق خاص مع الملك عبد العزيز آل سعود، وقد شهدت المدينة المنورة في العصر السعودي الحديث أزهى عصورها من حيث أعمال التوسعة والعمران، وشهدت تقدما في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث وفرت الدولة السعودية الأمان لسكان المدينة بعد أن كان مفقودا بسبب غارات القبائل.