بقلم أ/ عمرو الريدي - المحامي
مع تطور التكنولوجيا الحديثة وتزايد الاعتماد على وسائل الاتصال الإلكتروني، ظهر الابتزاز الإلكتروني كواحدة من الجرائم التي تهدد المجتمعات والأفراد على حد سواء. يعد الابتزاز الإلكتروني صورة متطورة من الابتزاز التقليدي، حيث يستغل الجاني التكنولوجيا لتهديد ضحاياه، إما للحصول على مكاسب مادية أو معنوية، وإما لتحقيق غايات أخرى.
الابتزاز الإلكتروني في القانون المصري
تناول الفقه المصري الابتزاز الإلكتروني بموجب المادة 326 من قانون العقوبات، التي تنص على تجريم الحصول على مال بطريق التهديد. وقد أضاف الفقهاء شرطًا هامًا يتمثل في أن التهديد يجب أن يحمل مضمونًا محددًا، مثل العنف أو إفشاء أسرار مخلة بالشرف، لتحقيق غاية معينة كالاستيلاء على مال أو إجبار الضحية على فعل معين.
من ناحية أخرى، استندت القوانين الأخرى، مثل القانون الإماراتي رقم 5 لسنة 2012 والقانون الكويتي رقم 63 لسنة 2015، إلى مفهوم أوسع، حيث اعتبرت أي تهديد يشكل ضغطًا نفسيًا على الضحية بغض النظر عن مضمونه جريمة ابتزاز إلكتروني.
خصائص جريمة الابتزاز الإلكتروني
1. اعتداء على الحرية الشخصية: التهديد يعد هجومًا على الحق في الأمن الشخصي، وهو أحد عناصر الحرية.
2. زمن التهديد: قد يكون التهديد مؤقتًا كإفشاء سر لمرة واحدة، أو مستمرًا كابتزاز متكرر.
3. الجريمة ذات النتيجة: الابتزاز لا يتحقق إلا عند تنفيذ الضحية لما يطلبه الجاني.
4. الجاني من المقربين: غالبًا ما يكون الجاني قريبًا من الضحية، مما يمكنه من معرفة نقاط ضعفه.
5. مشروعية الطلب: الطلب الموجه للضحية قد يكون مشروعًا أو غير مشروع.
الفرق بين الابتزاز الإلكتروني والاستغلال
يميز الفقه بين الابتزاز الإلكتروني وجريمة استغلال ضعف أو احتياج القاصر المنصوص عليها في المادة 338 من قانون العقوبات المصري. ففي الابتزاز الإلكتروني، يعتمد الجاني على التهديد المصحوب بطلب محدد، بينما في الاستغلال، يستغل الجاني وضعًا قائمًا دون تدخل منه.
آليات الابتزاز الإلكتروني
يتم الابتزاز الإلكتروني من خلال وسائل التعبير المختلفة، سواء كانت مكتوبة، منطوقة، أو بالإشارة. وأكدت محكمة النقض المصرية أن التهديد يتحقق بأي وسيلة تعبير، دون اشتراط شكل معين.
الابتزاز الإلكتروني وتأثيره على المعاملات المشروعة
بعض الفقهاء يرون أن الابتزاز المادي لا يختلف عن المعاملات الاقتصادية المشروعة، حيث يعتبر الضحية أنه من الأفضل دفع المبلغ لتجنب الإضرار بسمعته أو كشف أسراره. ومع ذلك، يؤكد القانون أن أي تهديد مقترن بطلب يعد جريمة إذا كان يهدف إلى التأثير على إرادة الضحية لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
حماية الخصوصية في القانون المصري
نصت المادة 309 مكرر من قانون العقوبات المصري على تجريم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، بما في ذلك التنصت، التسجيل، أو نقل المحادثات والصور الشخصية دون إذن صاحبها. ويشدد القانون العقوبة إذا كان الغرض من ذلك هو الابتزاز.
خاتمة
رغم الفوائد الهائلة التي جلبتها التكنولوجيا، إلا أن إساءة استخدامها تُعد تهديدًا كبيرًا لخصوصية الأفراد وحقوقهم. وعليه، يجب على الدول والمجتمعات تعزيز التشريعات لمواجهة الجرائم الإلكترونية، خاصة الابتزاز، الذي ينطوي على تهديد لسلامة الأفراد النفسية والمادية. كما يجب توعية الأفراد بسبل الحماية وتجنب الوقوع ضحايا لهذه الجرائم، مع التأكيد على أهمية التعاون الدولي لمكافحة هذا النوع من الجرائم العابرة للحدود.
التكنولوجيا أداة قوية، لكنها تحتاج إلى قوانين رادعة وسلوكيات أخلاقية لضمان استخدامها في خدمة الإنسان وليس ضده.