محمود سعيدبرغش
إن الوضع العربي اليوم يعكس صورة معقدة من الضعف والتشرذم، رغم التاريخ الطويل للأمة الإسلامية والعربية التي كانت واحدة من أعظم القوى في التاريخ، حيث حكمت إمبراطوريات كبيرة في عصرها. لكن، مع مرور الزمن، تحولت الدول العربية إلى ساحة لصراعات سياسية، اقتصادية، واجتماعية عميقة، مع تدخلات خارجية من القوى الكبرى في العالم. هذا المقال يستعرض تاريخ الأمة العربية من القوة إلى الضعف، مع توثيق بالقرآن الكريم، السنة النبوية، والأسانيد التاريخية لتفسير هذا التحول المؤلم.
1. القوة العربية والإسلامية في العصور السابقة: عندما نعود إلى التاريخ، نجد أن الأمة العربية والإسلامية كانت إحدى القوى العظمى في العالم. ففي العهدين الأموي والعباسي، كانت الدول الإسلامية تسيطر على معظم أراضي العالم القديم، من الأندلس في الغرب إلى حدود الهند في الشرق. وكانت هذه الإمبراطوريات تجسد القوة السياسية والعسكرية، بل والاقتصادية، التي كان لها دور حاسم في تشكيل تاريخ العالم.
القرآن الكريم يذكر في العديد من الآيات ضرورة الوحدة والعمل المشترك بين المسلمين، كما في قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا" (آل عمران: 103). هذه الآية تشدد على ضرورة الوحدة بين المسلمين، وهي التي شكلت جزءًا من مبادئ الأمة في العصور الذهبية.
2. التدخلات الغربية والصهيونية: مع نهاية العصر العباسي، بدأ الغرب في التوسع بشكل تدريجي في الأراضي العربية والإسلامية. حيث استعمرت القوى الاستعمارية الغربية معظم الدول العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين. بدأ الاحتلال البريطاني والفرنسي للعالم العربي في شمال أفريقيا، الشرق الأوسط، والجزيرة العربية، مما أثر على الوضع السياسي والاجتماعي في تلك الفترة.
من جانب آخر، كانت الحركة الصهيونية قد بدأت تأخذ شكلًا أكثر تنظيماً في أواخر القرن التاسع عشر، وقد كانت القوى الغربية تدعم هذه الحركة على حساب الشعب الفلسطيني والأراضي العربية. ووعد بلفور الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1917 كان خطوة فارقة في زرع بذرة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
3. الاحتلال الأمريكي والدعم الغربي لإسرائيل: في القرن العشرين، برزت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى ذات تأثير عالمي، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. من هنا بدأت السياسة الأمريكية في المنطقة العربية تأخذ شكلًا مختلفًا، حيث دعمت الولايات المتحدة إسرائيل بشكل كامل، وساندت الأنظمة العربية التي تتماشى مع مصالحها. هذا الدعم أدى إلى تعزيز الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وخاصة في غزة والضفة الغربية.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" (رواه الطبراني). هذه الرسالة النبوية تعكس ضرورة الاهتمام بقضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وهي القضية التي تعتبر جوهرية في الوحدة العربية والإسلامية.
4. الصراع العربي الداخلي: إن أكبر التحديات التي تواجه العالم العربي اليوم هو التشرذم والانقسام بين الدول العربية. فتاريخيًا، كانت الوحدة العربية هي القوة الدافعة وراء النجاحات الكبرى، ولكن منذ الخمسينات وحتى اليوم، شهدت المنطقة العديد من الحروب الأهلية، والاضطرابات السياسية، والصراعات الإقليمية. هذه الانقسامات جعلت من الصعب على العرب أن يتحدوا في مواجهة التهديدات الخارجية.
على سبيل المثال، غزو العراق للكويت في عام 1990، والحروب الداخلية في سوريا واليمن، والصراعات المستمرة في ليبيا، جعلت العرب في موقف ضعف أمام التحديات الكبرى. كما أن قلة التنسيق والتعاون بين الدول العربية في قضايا إقليمية مثل القضية الفلسطينية أو الأمن الإقليمي ساهمت في تعزيز الاستغلال الغربي للأزمات العربية.
5. غزّة والموقف العربي: أحد الأمثلة الواضحة على التحديات التي يواجهها العرب اليوم هو الوضع في قطاع غزة. الحصار الإسرائيلي المستمر، والعدوان المتكرر على الفلسطينيين، والتجاهل الدولي لقضيتهم، يعكس مدى ضعف الموقف العربي. إن دعوات بعض القوى الغربية لإعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى، بما في ذلك الأردن، تضع الأمة العربية في موقف حرج.
في هذا السياق، نجد أن غياب الرد الفعّال من الأنظمة العربية تجاه ما يحدث في غزة يثير تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الدول في حماية حقوق الشعوب العربية. في القرآن الكريم، نجد دعوة للمؤمنين للقتال ضد الظالمين، كما في قوله تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَتَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة: 190).
6. السبيل إلى القوة والحرية: إن استعادة القوة العربية تتطلب عدة خطوات عملية:
الوحدة العربية: لابد من تجاوز الخلافات الداخلية والتركيز على الأهداف المشتركة. كما ذكر القرآن في قوله: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (الحجرات: 10).
التعاون الإقليمي: يجب على الدول العربية تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري لمواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت من القوى الغربية أو من التهديدات الإقليمية.
إعادة النظر في السياسة الخارجية: على الدول العربية أن تعمل بشكل أكبر على تعزيز سياساتها الخارجية بشكل يتناسب مع مصالح الأمة ككل، بدلاً من مصالح الفرد أو الدولة.
الخاتمة: إن الأمة العربية اليوم تقف أمام اختبار مصيري. التاريخ يشهد على قدرتها على النهوض في أحلك الظروف، ولكن هذا يتطلب وحدة حقيقية وعزيمة قوية. إن استعادة القوة والحرية لن يتحقق إلا إذا تضافرت الجهود العربية والإسلامية لحماية مقدسات الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. الوحدة هي الطريق، كما أكد القرآن الكريم، والسنة النبوية، حيث لا قوة إلا في التعاون والعمل المشترك.