صندوق النقد الدولي: سياسة الإفقار والهيمنة على سيادة الدول. جريده الراصد24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

صندوق النقد الدولي: سياسة الإفقار والهيمنة على سيادة الدول. جريده الراصد24

 


بقلم: محمد عبدالمجيد هندي، 

صندوق النقد الدولي: سياسة الإفقار والهيمنة على سيادة الدول. جريده الراصد24



منذ عقود ونحن نشاهد الدول تسقط واحدة تلو الأخرى في براثن صندوق النقد الدولي، هذا الصندوق الذي لم يدخل دولة إلا وتركها خلفه خرابًا. يسعى الصندوق في الظاهر إلى تحقيق استقرار اقتصادي، ولكن الحقيقة أن سياساته تتسم بالتدمير الممنهج للبنى الاقتصادية الوطنية والهيمنة على سيادة الدول، ولا يمكننا الحديث عن مصر إلا ونحن ندرك خطورة تلك السياسات التي تمس حياتنا اليومية بشكل مباشر.


لقد دخل صندوق النقد الدولي مصر في لحظات حرجة، ووعدنا بوعود الازدهار والإصلاح. أخبرونا أن القروض ستأتي بنمو اقتصادي وسياسات رشيدة ستخرج مصر من أزماتها، ولكن ما رأيناه على أرض الواقع مختلف تمامًا. الصندوق لا يفرض سوى التقشف، ولا يعرف سوى سلب مقدرات الشعوب. هل جلبت القروض لنا الأمان الاقتصادي؟ هل عشنا ازدهارًا كما وعدونا؟ بالطبع لا. العجز في الميزانية ازداد، الديون تضاعفت، والفقراء ازدادوا فقرًا.


صندوق النقد لم يفهم أن مصر ليست كغيرها من الدول. لا يمكن تطبيق وصفات جاهزة صماء على بلد يمتلك تاريخًا طويلًا من النضال والعزة. الصندوق يحاول دومًا فرض سياساته النيوليبرالية، ويعتمد على تخفيض الدعم ورفع الأسعار كحلول وحيدة لأزماتنا، وكأننا نحن السبب في الأزمات وليس سياسات السوق الحر المجحفة التي تحرم الملايين من حقوقهم الأساسية.


نحن لا ننكر أن الاقتصاد المصري يمر بأزمات، ولكن الحل لا يكمن في الرضوخ التام لشروط صندوق النقد. إن هذه السياسات تخدم فقط مصالح المؤسسات الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات، وتترك المواطن العادي يعاني تحت وطأة الديون، الارتفاع الجنوني للأسعار، وانعدام الفرص الحقيقية للعمل. كل هذه السياسات أدت إلى انعدام العدالة الاجتماعية، حيث بات الأغنياء يزدادون ثراءً والفقراء يزدادون فقرًا. هذا هو بالضبط ما يريده صندوق النقد الدولي؛ أن تبقى الطبقات الكادحة مسحوقة، تعمل من أجل إثراء القلة المتحكمة في ثروات العالم.


صندوق النقد، بسياساته المدمرة، هو السبب الرئيسي في تدهور القطاعات الأساسية مثل التعليم والصحة. كيف لنا أن نبني أجيالاً واعية، قادرة على النهوض بمصر، ونحن نتبع سياسات تقلل من الإنفاق على هذه القطاعات الحيوية؟ كيف لنا أن نحقق اكتفاءً ذاتيًا في الغذاء والدواء والصناعة ونحن نركض وراء الوصفات التي لا تراعي أولوياتنا الوطنية؟


إن الأزمة التي نعيشها ليست مجرد أرقام وتقرير في صندوق النقد. إنها واقع مرير يعاني منه كل عامل وفلاح في هذا البلد. نحن نواجه ارتفاعًا غير مسبوق في تكاليف المعيشة، وركودًا اقتصاديًا يلتهم الأخضر واليابس. كيف لنا أن نقبل بالاستمرار في هذا المسار الكارثي؟ كيف لنا أن نصمت على صندوق يفرض علينا سياسات تسرق قوت يومنا؟


لابد أن نقف وقفة حقيقية مع النفس. لابد أن ندرك أن الحل لا يكمن في مزيد من القروض ولا في مزيد من التبعية لصندوق النقد الدولي. نحن بحاجة إلى إصلاحات حقيقية، ولكنها إصلاحات نابعة من احتياجات الشعب المصري وليست مفروضة من الخارج. يجب علينا أن نعيد النظر في علاقاتنا مع هذه المؤسسات المالية الدولية التي لا تسعى سوى لتحقيق مصالحها على حسابنا.


أيها المسؤولون، إن ما تفعلونه بالاستماع والانصياع لصندوق النقد هو خيانة لكل عامل وفلاح في هذا البلد. أنتم تبيعون مستقبل الأجيال القادمة من أجل حفنة من الأموال التي لن تحل أزماتنا بل ستعمقها. إن الحل يكمن في بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي يعتمد على قدراتنا الوطنية، وليس في اللهاث وراء الديون التي تقيدنا وتدمر سيادتنا.


وأخاطب هنا صندوق النقد الدولي بشكل مباشر: إن مصر ليست للبيع. مصر لن تكون ساحة لتجاربكم الفاشلة التي دمرت دولًا أخرى. سياساتكم تجاه مصر لابد أن تتغير. عليكم أن تفهموا أن هذا الشعب له حقوق وله كرامة، ولن نقبل أن تدهسها سياساتكم. نحن قادرون على النهوض باقتصادنا بعيدًا عن وصفاتكم المدمرة. لا يمكنكم أن تستمروا في فرض سياسات التقشف والخصخصة التي تدمر الاقتصاد وتجعلنا عبيدًا لديونكم.


فإن الحل الوحيد لإنقاذ مصر من هذا المنحدر الخطير هو استعادة سيادتنا على اقتصادنا. يجب أن نبدأ فورًا في بناء نموذج اقتصادي قائم على الإنتاج الوطني، الاكتفاء الذاتي، والتعاون مع الدول التي تحترم سيادتنا ولا تحاول فرض إملاءات عليها. يجب أن يكون صوت العمال والفلاحين هو الصوت الحاسم في أي قرارات تتعلق بالاقتصاد، فهم العمود الفقري لهذا الوطن، وهم القادرون على دفع عجلة الإنتاج وتحقيق نهضة حقيقية.


إنها مسؤوليتنا جميعًا، أن نقف ضد هذه السياسات التي تخرب اقتصادنا وتدمر مستقبل أبنائنا. يجب أن نقول لا لصندوق النقد، لا لسياسات التقشف، نعم لاقتصاد وطني قوي ومستقل يعتمد على قدراتنا الذاتية ويخدم مصالح الشعب المصري.


إذا أصر صندوق النقد الدولي على مواصلة فرض سياساته المدمرة على مصر فعلى الدولة أن تقف بكل قوة وشجاعة لتعلن للعالم أن مصر ليست ساحة للبيع ولا مسرحًا لتجاربهم الفاشلة. يجب أن نمزق كل الاتفاقات التي سلبت سيادتنا وجعلتنا رهائن في يد مؤسسة لا تعترف إلا بالربح على حساب الشعوب. كرامة مصر وكرامة أبنائها فوق أي التزام أُبرم تحت ضغط أو خدعة، ولسنا بحاجة إلى من يظن أنه يستطيع ترويض هذا الشعب الأبيّ الذي قدّم على مرّ العصور دروسًا في الكفاح والعزة.


إن هذا الصندوق الذي يدّعي الإصلاح لا يقدم إلا وصفات مميتة تقضي على روح الاقتصاد الوطني وتفقر الطبقات الكادحة وتدمر أحلامنا في التنمية المستقلة. مصر أكبر من أن تُخضع لقرارات تمليها مؤسسات غربية، وأعمق من أن تُحكم بقبضة ديون تتراكم علينا كل يوم، فلا يمكن أن نسمح لهذا الهيكل المالي الجشع بأن يستمر في امتصاص خيراتنا وتدمير مستقبل أبنائنا.


على السيادة المصرية أن تتحرك بجرأة لتقطع كل الروابط مع صندوق النقد الذي أثبتت تجاربه في دول عديدة أنه ليس سوى أداة للتحكم والسيطرة الاقتصادية. يجب أن ننحاز إلى مصالحنا الحقيقية ونعيد بناء شراكات اقتصادية مع أشقائنا العرب، من الذين نعرفهم تمامًا ويعرفون قيمة مصر ويقدّرون عمق علاقاتنا التاريخية والاقتصادية. يجب أن نفتح باب الاستثمارات العربية على مصراعيه، لنصنع معًا مستقبلًا مشرقًا قائمًا على التعاون والاحترام المتبادل بعيدًا عن إملاءات صندوق النقد التي لم تجلب إلا الفقر والانهيار.


مصر ليست مجرد أرقام تُحسب في موازين الربح والخسارة، مصر هي التاريخ والحضارة والأرض التي نبتت فيها أصول الكرامة والسيادة. لن نسمح لأحد أن يمس سيادتنا الاقتصادية أو أن يفرض علينا سياسة لا تحقق لنا سوى التبعية. إذا أراد صندوق النقد أن يستمر في طريقه فلن يجد من مصر إلا الرفض والصمود، ولن نقبل أن تُسلب حقوق شعبنا أو يُملى علينا مستقبلنا بقرارات لا تخدم إلا قلة من المتحكمين في اقتصاد العالم.


لقد آن الأوان أن نقف وقفة رجل واحد، مصر لكل المصريين، وحان وقت التحرر من أغلال الصندوق وإعادة بناء اقتصادنا بأيدينا.

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020