بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، يقول الله سبحانه تعالى "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم وليا ولا نصيرا" ولقد بيّن الله تعالى في هذه الآية أن نصره محروم منه كل منافق دخيل في صفوف المسلمين، بل محروم منه كل من قرّب المنافقين وأنالهم منه مكانا مرموقا وجاها رفيعا، وإن النفاق ما وُجد في قوم إلا أحلّهم دار البوار ومنعهم الخير والنصر، وما وُجد المنافقون في أرض إلا مكّنوا منها العدو على المسلمين وأذلُّوا الصالحين من عباد الله تعالى، وكيف تطمع الأمة بنصر من الله تعالى وللمنافقين عندها خير مقام وأعز مكان.
فإذا ما طهرت الأرض وسلمت الأمة من هؤلاء المتلونين إستحقت النصر من الله تعالى على عدوها وكان لها الظفر بالعدو، وما مُنع المسلمون النصر يوما قط إلا بسبب ما كان منهم من تقريب لهؤلاء المنافقين وحب لهم ومجالسة معهم وتمام وُدّ لهم، وإن النفاق في هذه الأزمان قد طال ريشه بين المسلمين ودام مقامه بينهم ونال أهله من المسلمين كل ما يريدونه بل نال الصالحين المبيّنين حالهم وضلالهم الأذى منهم ومن أسيادهم، وحين تلتفت الأمة إلى هؤلاء المجرمين وتبدأ بهم وتنكل بهم تنعم بعد ذلك بنصر من الله مؤزر، وبإيفاء الله تعالى وعده لهم، وأسأل الله تعالى أن يحيي ما مات من آمالنا وأن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيّه المصطفي صلى الله عليه و سلم وعباده الله الصالحين، ومما ثبت في السنة النبوية وإعتقده السلف الصالح ودانوا لله تعالى ثبوت المهدي.
وأنه سيخرج في آخر الزمان، وقال النبي صلى الله عليه و سلم " لاتذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي " وكما قال صلى الله عليه و سلم " يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا لا يعده " وأخباره متواترة تواترا لا يعتريه شك، وفي خروجه يكثر الخير ويعم الرغد، وترتفع الشريعة ويلحق الباطل ذلا عظيما ومهانة كبيرة، وقال ابن كثير رحمه الله، في زمانه تكون الثمار كثيرة والزروع غزيرة، والمال وافر والسلطان قاهر، والدين قائم والعدو راغم، والخير في أيامه دائم" فهذا المهدي محمد بن عبد الله المنتظر لم يخرج بعد، وبخروجه يقوم الدين ويرتفع الحق ويخمد الباطل وتتبدد كل قوة علت من قوى الباطل، وليس ذلك ببعيد فإن كل ما هو آت قريب، فصبر جميل والله المستعان وعليه التكلان.
وقال الله سبحانه وتعالى " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة و لما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب" وقال الله تعالى " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين" فهذه صورة يحلّ فيها اليأس على قلب العبد ويخيّم القنوط على نفوس الصالحين، وإنها لصورة من أشد الصور وأخطرها على نفوس المسلمين، فالنصر ينزل على العباد عند ضيق الحال وإنتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه، وإنها لساعة رهيبة ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل وهم يواجهون الكفر والعمى والإصرار والجحود وتمر الأيام وهم يدعون فلا يستجيب لهم إلا القليل وتكرّ الأعوام والباطل في قوته وكثرة أهله.
والمؤمنون في عدّتهم القليلة وقوتهم الضئيلة، وإنا والله لنفرح بمثل هذه الساعة لا لذاتها معاذ الله ولكن لما فيها من بشائر النصر القريب وأمارات ظهور الفجر الواعد، نعم إنها ساعة فيها يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، وسنة الله عز وجل أن في مثل هذه الظروف التي يفقد المؤمنون فيها صبرهم وتتكالب عليهم الشدائد من كل حدب وصوب، وينالهم من أهل الشر والباطل كل أذى وسخرية من ضعف قوتهم وهوانهم على الناس يلمح المؤمنون نور النصر يلوح وشمسه تشرق في تمام الوضوح فيزول عن القلب ما خيّم عليه من حجب وشوائب، وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم فيها تبيان لهذا وإيضاح فاعتبرها.