بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأربعاء الموافق 20 نوفمبر 2024
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين، ثم أما بعد فيا أخي الكريم إذا غضبت فإسكت وتعوذ من الشيطان الرجيم وغير مكانك، وإن كنت قائما فاجلس وتوضأ وأكثر من الذكر، ولا تجزع من الشدة فإنها تقوي قلبك وتذيقك طعم العافية وتشد من أزرك وترفع شأنك وتظهر صبرك.
واعلم أن التفكر في الماضي حمق وجنون وهو مثل طحن الطحين ونشر النشارة وإخراج الأموات من قبورهم، وإنظر إلى الجانب المشرق من المصيبة وتلمح أجرها واعلم أنها أسهل من غيرها وتأسي بالمنكوبين، وما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك وجفّ القلم بما أنت لاقي ولا حيلة لك في القضاء، ويقول الله تعالي " ادعو إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " وهكذا هو أسلوب الدعوة الذي نقدم الدعوة به إلى الناس، فحينما ندعو المؤمنين فينبغي أن يكون ذلك بغاية اللطف، والله يقول في حق نبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم وهو أكمل الخلق عقلا، وأفصحهم لسانا، وأحرصهم على هداية الخلق " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " فإذا كان هذا في حق النبي صلي الله عليه وسلم لو كان فظّا.
وحاشاه من ذلك لانفض الناس من حوله، فكيف بمن دونه من الدعاة إلى الله تبارك وتعالى؟ فإذا أردنا أن نقدم الدعوة لمن في بيتنا، ولمن في المسجد، ولمن في الشارع، ولمن في النادي، وفي أي مكان ينبغي أن نقدمها بطبق من ذهب، وأن نقدمها محسنة بالقول الجيد، والقول الطيب، والكلام الحسن الذي يأسر القلوب أسرا، أما أن يقدم ذلك بأسلوب فظ فإن ذلك يكون سببا لنفرة القلوب، وبعدها، ومجانبتها ومجافاتها لهذا الذي يدعوها، وهكذا حينما نأمرهم بالمعروف، وننهاهم عن المنكر، فهل المقصود بذلك هو الإغلاظ، والزجر وهل هي قضية نلقيها عن كواهلنا من أجل أن نسلم من التبعة أمام الله تبارك وتعالى، أم أننا نقصد بذلك هداية الناس، وتقريبهم للحق، وتكثير المعروف في المجتمع، وتقليل الشر؟
فإذا كان هذا هو المقصود فينبغي أن نسلك له الطريق المناسب الذي يوصل إلى هذا المطلوب، وهذا لا يكون بحال من الأحوال إلا بالكلام الطيب، إلا بالقول الحسن، أما أن نصكهم صك الجندل، وأن ننشقهم الخردل فإن ذلك يكون سببا أكيدا لتركهم، وبعدهم وكراهيتهم ونفرة قلوبهم، ومع الكفار فالله تبارك، وتعالى يقول لأنبيائه عليهم الصلاة، والسلام لموسى، وهارون " فقولا له قولا لينا " وهذا مع فرعون، ولا شك أن كل داعية منا فإنه دون موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام بمراحل، وأن هؤلاء الذين ندعوهم، ونأمرهم، وننهاهم لا يمكن أن يبلغوا بحال من الأحوال المبلغ الذي وصل إليه فرعون، ولذلك فإن طلب القول اللين مع هؤلاء الناس لا شك أنه من باب أولى.