بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار ، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد لقد وقت في شهر ربيع الأول من السنة الرابعة من الهجرة.
غزوة بني النضير بعد أن همّ يهود بنو النضير بالغدر وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا بذلك الصحيفة، فأمهلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ليغادروا المدينة، فرفضوا وتحصنوا بحصن لهم، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما، وقيل ست ليالى، ثم أجلاهم عن المدينة وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فلحقوا بخيبر، وغنم من أموالهم ما تركوه وراءهم، ولما أجلي بنو النضير، وساروا إلى خيبر، خرج نفر من وجهائهم فحرّضوا قريشا وكنانة وغطفان ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاهدوهم على قتاله، فوافقوهم، وتجهزت قريش وكنانة فجمعوا أربعة ألاف شخص، ومعهم ثلاثة مائة فرس، وانضم إليهم أعدادا من بني سليم، وبني أسد، وفزارة، وغطفان، وبني مرة.
فكان جميعهم عشرة ألاف وقد سُمّوا بالأحزاب، وكان قائدهم أبو سفيان بن حرب، فكانت ما عُرف باسم غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب، وكانت في شهر شوال فى السنة الخامسة من الهجرة وقيل في شهر ذي القعدة، فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكر بثلاثة آلاف من المسلمين إلى سفح جبل سلع، وكان شعارهم "حم، لا يُنصرون" وجعل النساء والأطفال في آطام أى فى حصون، ثم حفر الخندق على المدينة بمشورة الصحابى سلمان الفارسي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل فيه بيده، فانتهوا منه بعد ستة أيام، ولما انتهوا من الخندق، أقبلت قريش ومن معهم من الأحزاب وحاصروا المدينة حصارا شديدا، وفي أثناء ذلك وافق يهود بني قريظة على أن يسمحوا للأحزاب بدخول المدينة من الجهة التي يقطنوها بعد أن فاوضهم حيي بن الأخطب القادم مع الأحزاب.
لكن ذلك لم يتم بسبب حيلة استخدمها الصحابي "نعيم بن مسعود الغطفاني" للإيقاع والتفريق ما بين بني قريظة والأحزاب، وإشتد الحصار على المسلمين ودبّ فيهم الخوف والرعب، وأقام المسلمون والأحزاب أربعة وعشرون ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار، حتى جاءت ريح شديدة لمعسكر الأحزاب، فإرتحلوا على إثراها، وكان من نتيجة هذا الحصار أن قتل ثمانية من المسلمين، وأربعة من الأحزاب، ولما إنصرف الأحزاب عن المدينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم" فلم تغزهم قريش بعد ذلك، وكان هو الذي يغزوها، وذلك حتى فتح مكة، فاللهم إهدي شباب المسلمين من بنات وبنين، اللهم رد ضالهم إليك ردا جميلا.
اللهم جنبهم رفقاء السوء وأصحاب الفساد، اللهم جنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجلعنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يارب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.