الإطار العام يدعو للإحتفاظ بالإنسانية جريدة الراصد 24 -->
جريدة الراصد 24 جريدة الراصد 24

داخل المقال

جاري التحميل ...

الإطار العام يدعو للإحتفاظ بالإنسانية جريدة الراصد 24

 


بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الخميس الموافق 17 أكتوبر 2024

الحمد لله الكريم الوهاب وهبنا نعمة الإيمان، والأمن في الأوطان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الرحيم الرحمن، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد ولد عدنان المرسل بالقرآن إلى الثقلين الإنس والجان، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد إن الإنسان من حيث هو إنسان، تكفلت الشريعة بحماية حياته، وحرمت الإعتداء على ماله وعرضه، فالإنسان في شريعة الله مجردا عن كل الإعتبارات العرقية والدينية والإجتماعية مصانة حقوقه عن الإهدار، وإنما يصبح الإنسان تحت طائلة العقوبة في الشريعة الإسلامية حين يتصف بصفات تنتقص من إنسانيته، وحين يتردى في دركات الحيوانية، وسفول الشذوذ والبهيمية، فيضع نفسه في مواجهة الفطرة ومعاندة الحقيقة، والإسلام وإن كان يدعو الناس للإيمان. 


لكنه في الإطار العام يدعو للإحتفاظ بالإنسانية كحد أدنى لإستمرار الحياة بتوازن وسلام، ويدل على ذلك حرص الشريعة على عصمة دم الإنسان ولو كان غير مسلم، وهو مستفاد من عموم النصوص التي زجرت عن الظلم والعدوانية عموما، ولمزيد من العناية ورد في السنة النبوية وعيد شديد اللهجة في حق من يتسور هذه الحرمة، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" رواه البخاري، وذلك أنه ربما ظن بادي الرأي أن غير المسلم لا حرمة لدمه، وأنه يستحق القتل لمجرد كفره، فجاءت السنة بهذا الوضوح الحازم، للرد على هذا الظن الخاطئ، مؤكدا بذلك النص النبوي على عالمية هذا الدين، وقبوله بالعيش الإنساني المشترك. 


وفق نظام عادل يضمن الحياة الآمنة للجميع، وأيضا حرمة ماله، فلا يحل أخذ ماله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" رواه أبو داود، وقد ورد أيضا في قصة المغيرة بن شعبة أنه كان قد صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أما الإسلام أقبل، وأما المال فلست منه في شيء " ورواية أبي داود " أما الإسلام فقد قبلنا وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه " رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حجر قوله " وأما المال فلست منه في شيء " أي لا أتعرض له لكونه أخذه غدرا، ويستفاد منه أنه لا يحل أخذ أموال الكفار في حال الأمن غدرا لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا. 


وأن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم ترك المال في يده لإمكان أن يسلم قومه فيرد إليهم أموالهم، فالحربي المعادي للإسلام أهدر حرمة ذاته بانتقاص إنسانيته، ومحاربة فطرته وبشريته، فهو إذن قد غادر دائرة الأمان، بمعاداة هذا الدين والصد عنه، جهلا منه بحقيقة الرحمة التي يضمنها له الإسلام، فهو الساعي في إهدار حقه في العيش المشترك، بعدوانيته على الإسلام الذي يمنح الإنسان حقوقه الكاملة، وحتى المسلم حين يعتدي على حياة الآخرين أو أموالهم وأعراضهم، هو يتصف بعدوانية لا تتوافق مع القيم الإنسانية، وهنا يكون في مواجهة مباشرة مع الشريعة التي ترعى الحقوق، وتحارب الظلم من أي أحد كان، ولذلك ينزل به العقوبة وفق شروطها المقررة، ومما يدل على الإهتمام بمبدأ الإنسانية في السنة النبوية الوصايا العسكرية للمقاتلين. 


إذا تهيأوا للخروج، تذكيرا لهم بقيمة الإنسان ولو كان كافرا، وتحديد مهمتهم في دفع ظلم المعتدي، وإزاحة المتجبرين الحائلين بين الله وبين عباده، فليس المقصود هو القتال لذات القتال، أو لمجرد عدم دخولهم في الدين، فينهاهم عن قتل النساء والصبيان، والشيوخ، والرهبان في صوامعهم، لأن الموجب لقتالهم ليس مجرد كفرهم، وإنما ما فعلوه من الإعتداء، والحيلولة بين الناس وبين مراد الله منهم، ففي سنن ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا، ولا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين" فالإنسان غير المقاتل باق على الأصل، وإنما إستثني المقاتل لجرمه.

التعليقات



جريدة الراصد24

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

جريدة الراصد 24

2020